المجتمع القائم على المعرفة - 29 مايو 2013
2021-09-28 586
إنَّ السباقَ المعلوماتيَّ اليومَ هو المعركةُ الحقيقيّةُ للتَّنافسِ والشهودِ الحضاريِّ بين الأممِ، فمنْ كانَ يملكُ التوابلَ في القرنِ التاسعَ عشرَ مَلَكَ العالم. ومَنْ مَلَكَ النّفطَ في القرنِ العشرين مَلَكَ العالم. ومن يملكُ المعلومةَ في القرنِ الحادِي والعشرين سيملِكُ العالمَ.
من هنا تحوَّلتِ المعرفةُ إلى سلعةٍ اقتصاديةٍ مهمةٍ. ونشأ ما يُسمَّى اليومَ باقتصادِ المعرفةِ. الذي يُعَرِّفُه البرنامجُ الإنمائي للأممِ المتحدةِ بأنّه نشرُ المعرفةِ وإنتاجُها وتوظيفُها بكفايةٍ في جميعِ مجالاتِ النشاطِ المجتمعيِّ: الاقتصاديِّ، والمدنيِّ، والسياسيِّ، والخاصِّ، وصولاً لترقيةِ الحالةِ الإنسانيةِ باطِّراد.
ومعنى هذا أنّ المعلومةَ ستكونُ جوهرَ الاقتصادِ، ومحرّكَ التنميةِ المستدامة، والثروةَ التي من خلالها تنهضُ الأممُ وترقى. وسيصبحُ الاقتصادُ المعرفيُّ القائمُ على استثمارِ المعلوماتِ وتنظيمِها هو محورَ العمليةِ التنمويةِ والتحديثيةِ والبوَّابةَ الحقيقيةَ لمستقبلٍ أكثرَ ازدهارًا.
إنّ قريةً واحدةً في فنلندا هي قريةُ (نوكيا) لا تشرقُ عليها الشمسُ إلا في شهرٍ واحدٍ من العامِ، وعددُ سكانِها ثلاثون ألفًا، استثمرتِ هذه القرية المعلومةَ وحوَّلَتْها إلى اقتصادٍ معرفيٍّ؛ فأصبح دخلُها السنويُّ اثني عشرَ مليارَ دولار، وهو ما يتفوقَ على دخلِ بعضِ الدولِ العربيةِ التي يتجاوزُ عددَ سُكَّانهاِ عشرينَ مليون مواطن!
وبالنظر إلى المجتمع السعودي والذي تمثل نسبة الشباب والشابات فيه 79% تقريبًا من الذين أعمارهم ما بين 19 والـ21 سنة والتي تعتبر ميزة تفتقدها أغلب الدول المتقدمة اقتصاديّاً، ممّا يعني أن هذا المجتمع يحتاج إلى اقتصاد معرفي يقدم خدمات متميزة لحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ويُحقِّق مخرجات متميزة لخطط التنمية في البلاد إضافةً إلى إيجاد الحلول الإبداعية للكثير من المشكلات التي تواجه متخذي القرار في المملكة.
واستشعارًا لهذا التحوّلِ المعرفيِّ الكاسحِ عَمَدَتْ حكومتُنا الرشيدةُ بقيادة خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- إلى إعدادِ إستراتيجيةٍ للتحولِ إلى الاقتصادِ المعرفيِّ والمجتمعِ القائمِ على المعرفةِ، وهذه الإستراتيجيةُ ستجعلُ من المملكةِ بعونِ الله مجتمعًا معرفيًّا ومنافسًا دوليًّا بحلول العامِ 1444هـ.
لقد أدرك خادمُ الحرمينِ الشريفينِ -يحفظه الله- أنَّ الاستثمارَ الحقيقيَّ إنما هو في الإنسانِ السعوديِّ؛ فاعتمَدَ ميزانياتٍ هائلةً لتطويرِ التعليمِ العامِّ والتعليم العالي على وجه الخصوص في المملكة ممّا أدَى إلى حصول الجامعات السعودية على الكثير من الجوائز في المشاركات الدولية التي تهتم بالابتكارات وبراءات الاختراع التي يمكن تسجيلها وتسويقها على شكل منتجات تجارية.
وأرسى -يحفظه الله- برنامجًا خاصّاً لابتعاثِ الشبابِ السعوديّ لأرقى الجامعاتِ العالميّة في أدقِّ التخصصاتِ العلميّة. وافتتحَ الجامعاتِ في جميعِ مناطقِ المملكة.
كلُّ ذلك لينتقلَ باقتصادِ المملكةِ من اقتصادٍ رَيْعيٍّ يعتمد على مصدر واحد سريعِ النضوبِ هو النفط إلى اقتصادٍ معرفيٍّ يقومُ على (معرفةِ الإنسانِ) لأنه النبعُ الذي لا ينضب.